Untitled Document

شبكة البصرة منبر العراق الحر الثائر
print
في التطبيع مع الكيان الصهيوني، تناول هادئ في قضية عاصفة الجزء الأول


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

في التطبيع مع الكيان الصهيوني، تناول هادئ في قضية عاصفة الجزء الأول

شبكة البصرة

بقلم د. محمد مراد

مقدمة: ازاء الزلزال المروِّع الذي يحدثه التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومع التاكيد على ضرورة مقاومته بكل الاشكال الممكنة باعتباره يهدد على المديين القريب والبعيد مستقبل الامة وهويتها ووجودها، الا انه بقيت اغلبية الفعاليات السياسية والنضالية وعلى كافة الصُعُد الجماهيرية منها والنخبوية على حد سواء، تراوح في مكانها مكتفية بالشجب والتنديد بالدول العربية التي تُقدِم على ذلك، من دون ان تتعداه الى الخوض في الوسائل العملية التي توقف هذا التدهور المريع، وتحمي الاخرين من الانزلاق فيه مستقبلاً.

ففي ظل ما تتعرض له الامة العربية من استهداف منقطع النظير يهدد وجودها بالصميم، لا تكون العبرة في شتم التطبيع ومهاجمته كلامياً وحسب (رغم اهمية ذلك)، وانما الأهم هو البحث العملي والواقعي في استراتيجيات الإجابة على السؤال الأهم: ما العمل؟.

وهذا لا يتم من خلال الزعيق والشتم او الشجب والإدانة، وانما يكمن في التحليل الهادئ والواقعي اولاً، وفي وضع الاستراتيجيات الكفيلة بناءا عليه،

لحماية من تبقى من الدول العربية من الإنزلاق في هاوية التطبيع، كمرحلة اولى، تعقبها مرحلة الرجوع والتخلي عنه من قبل الدول الاخرى التي تورطت فيه.

وهي دعوة للسياسيين والمفكرين والاستراتيجيين والكتاب العرب، لمغادرة حالة الجمود التي يراوح فيها الخطاب الاعلامي، بانغلاقه في اطار الاتهام والشتم والزعيق العاطفي الذي سرعان ما ينجلي حال تفريغه، دون ان يُحدث اي اثر على المدى المتوسط والبعيد.

 

نظرة الى نتائج اولى اتفاقيات التطبيع

بعد حرب تشرين أول/أكتوبر 1973، وهي الحرب التي كان يمكن توظيف نتائجها الميدانية في تحرير الأراضي العربية التي احتلها الكيان الصهيوني في حزيران/يونيو 1967، وكذلك في فرض حلول تستجيب لمصلحة القضية القومية المركزية، أي فلسطين، من حيث تنفيذ القرارات الاممية واعطاء حقوق شعبنا في فلسطين بما فيها حق العودة للاجئي الشتات منذ نكبة 1948 الى ديارهم التي هجّرتهم منها قسرا المنظمات الاجرامية الصهيونية. لكن، المؤسف أن قطرين عربيين، وهما مصر والأردن، انزلقا للقبول بعلاقات تطبيعية مع الكيان الصهيوني، فكانت اتفاقية ” كامب ديفيد” عام 1978، وهي الأولى التي أبرمت بين مصر - الدولة العربية الأكبر وزنا في الوطن العربي سكانياً وعسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً - ودولة الكيان الصهيوني. بعد ذلك كانت اتفاقية التطبيع الثانية، وهي اتفاقية ” وادي عربة” مع الأردن عام 1994، والتي أدخلت في صلب الدستور الأردني تأكيداً لمدى التزام الاردن بها.

تقدم الفترة التي اعقبت هاتين الاتفاقيتين المشار اليهما صورة واضحة عن مآلات النتائج التي تحققت لكل من قطري المواجهة مصر والأردن بعد انقضاء اكثر من أربعة عقود ونصف العقد على “كامب ديفيد”، ونحو الثلاثة عقود على “وادي عربة”.

ان اية نظرة مستقبلية لأهداف العمل العربي لما فيه مصلحة الامة العربية، ومقاومة التطبيع تحتم على الجميع دراسة الواقع وتحليله تحليلاً عملياً، وعليه فانه من الأهمية بمكان أن نتساءل عن الوضع في القطرين المصري والأردني بعد اتفاقيتي التطبيع، أي التوقف عند مديات النتائج التي توفرت لكل من القطرين سواء أكانت ايجابية أم سلبية؟

 

اولا، على صعيد مصر

شهدت مصر - الدولة المركز او الدولة القاعدة في الوطن العربي - تراجعاً انحدارياً في مكانتها وهيبتها المعنوية والحضارية والقيادية على عدة مستويات من اهمها الثلاثة التالية:

الأول: اختلال الثقة عند شعبنا العربي في مصر الذي بات يشكل الكتلة السكانية التي تجاوزت الان المئة مليون نسمة.

الثاني: الخذلان الذي اصاب شعبنا الفلسطيني بشعوره بفقدان قوة الدولة الأكثر وزناً عربياً و التي كان يعتمد على مساندتها لقضيته الوطنية التحررية.

الثالث: الشعب العربي الذي اصيب بالإحباط واليأس بخروج مصر العروبة، مصر جمال عبد الناصر الذي أعلن في مؤتمر القمة العربية في الخرطوم عام 1969، أي قبل رحيله بعام واحد، عهداً قاطعاً ثلاثي اللاءات: لا مفاوضات، لا صلح، لا اعتراف مع الكيان الصهيوني الدخيل على امتنا العربية، والذي اوجده الغرب الاستعماري لتقسيم الأمة جغرافياً بين مشرق ومغرب بهدف الحؤول دون تحقيقها وحدتها القومية ونهضتها الحضارية.

 

ومن اجل تحليل علمي للواقع والبحث عن ماذا قدّمت ” كامب ديفيد” لمصر وللأمة العربية بعد حوالي النصف قرن من التوقيع عليها كاتفاقية تطبيع مع الكيان الصهيوني؟ نرى النتائج في التالي:

تمكّن الكيان الصهيوني من القضاء على دور منظمة التحرير الفلسطينية القتالي المنطلق من وجودها الملاصق لفلسطين بعد اجتياح بيروت عام 1982، حيث تم إبعاد المنظمة بفصائلها المقاتلة الى تونس، القطر البعيد عن جبهات المواجهة المباشرة مع العدو الصهيوني.

عزل الجيش المصري (الجيش الذي حمى تأميم قناة السويس وسدّ أسوان وتصدى للعدوان الثلاثي البريطاني-الفرنسي-الصهيوني عام 1956)، عن كل الملاحم التي خاضتها بعض اقطار الامة العربية لمواجهة التحديات الاقليمية والعالمية التي حصلت بعد اتفاقية كامب ديفيد.

استخدام هذا الجيش في القتال الى جانب اميركا وحلف الناتو في حرب “عاصفة الصحراء” التي قادتها الولايات المتحدة لتدمير الجيش العراقي تحت عنوان “تحرير الكويت”.

غياب مصر الكلي، والتي هي بمثابة الأخ الأكبر لباقي الأقطار العربية إبان العدوان الأميركي- البريطاني على العراق واحتلاله عام 2003، واسقاط دولته المركزية ونظامه الوطني وتجربته الوطنية- القومية، وصولا الى استهداف عروبته كهوية حضارية تاريخية، مما عرض الامن القومي العربي برمته الى الانكشاف الفاضح تالياً وبداية اجتياحات و تهديد وجودي ومصيري الى اقطار عربية اخرى.

كثافة التغلغل الاستعماري الى سائر المجال العربي. وبعد كل هذه السنين يحق لنا ان نسال، ألم تدرك مصر، وهي التي عرفت مبكرا باكورة الأفكار القومية العربية منذ أواسط القرن التاسع عشر مع رفاعة رافع الطهطاوي ومحمد فريد ومصطفى كامل وسعد زغلول وصولا الى جمال عبد الناصر، الم تعرف ان احتلال العراق ومحو هويته القومية كان مدخلا لكثافة التغلغل الاستعماري الى سائر المجال العربي، وافتعال الحروب الأهلية والأزمات الساخنة في غير قطر عربي منذ مطلع العشرية الثانية لهذا القرن والتي ما تزال على مشهدها الدرامي الدموي العنفي في غير قطر حتى اليوم؟

استغلال مصر للتسويق لما يسمى بمشروع ” الشرق الاوسط الجديد”.

الم تدرك مصر ان الولايات المتحدة تعمل على التسويق الاعلامي والسياسي والامني والتجزيئي لكل المجال القومي العربي، حيث يجري التسويق لمشروع ما يسمى “الشرق الأوسط الجديد”، وهو مشروع من بين اهدافه الاستراتيجية ثلاثة مركزية:

الأول، تغييب الخصوصية القومية للأمة العربية، وهي خصوصية اكتسبتها تاريخيا بتشكلها التاريخي وانتاجها الحضاري الانساني ولغتها المتميزة بتركيبتها ودلالاتها وحيويتها، حيث اختارها الله لتكون لغة قرآنه المنزل الذي أوحى به على رسوله العربي محمد بن عبد الله () ليكون خاتم الانبياء والمرسلين.

الثاني، لضمان تفوق “اسرائيل” في هذا الشرق الاوسط الجديد، وتمكينها من ترجمة مشروعها التوراتي لقيام دولتها اليهودية الكبرى المرسومة على جدار الكنيست الصهيوني “من الفرات الى النيل”. صحيح أن اسرائيل ليس بإمكانها ان تغطي دولتها اليهودية الكبرى المزعومة والمفترضة من الناحية البشرية الديمغرافية، فعدد يهود الدولة حاليا لا يزيد على 6 مليون يهودي، في حين ان الكتلة السكانية العربية تزيد حاليا على 460 مليون نسمة، فالتفوق الاسرائيلي في “الشرق الاوسط الجديد” المخطط له اميركياً وصهيونياً يكون بالمزيد من التجزئة والتفتيت والتشظي العربي الى سلسلة لا تنتهي من الدويلات والكيانات السياسية على اساس المذهب والعرق والجهة والعشيرة، الأمر الذي يتيح للصهاينة التحكم والامساك بمصائر هذه الكيانات المتشظية الضعيفة التي تبقى في حالة من الحرب والتناحر الدائم.

الثالث، ضمان التفوق الاسرائيلي أمنيا ًواقتصاديا ً وعسكريا ً وتكنولوجيا ًوعلميا ًعلى سائر الكيانات المهمّشة الضعيفة.

انكشاف زيف وكذب اتفاقية التطبيع مع مصر وما انطوت عليه من وعود من انها ستجعل هذا القطر واحة للتنمية الكبرى وجنة اقتصادية في الوطن العربي. الا ان ما حصل واقعياً ومنذ توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” وحتى اليوم، والاقتصاد المصري في حال من التراجع والعجز، ففي العام 2020 سجل الدين الخارجي على مصر حوالي 400 مليار دولار، وهو ما يشكل نحو 90 من اجمالي الدخل المحلي، فماذا كانت افادة التطبيع مع الكيان الصهيوني؟

امر آخر سجل انفاق مصر على التطوير والبحث العلمي لعام 2020 ما نسبته (0،23) من اجمالي الناتج المحلي (اي اقل من 1%)، في حين سجلت النسبة في “اسرائيل” اكثر من 8 من اجمالي ناتجها المحلي، اي اكثر من الدول العربية مجتمعة بحوالي 70 مرة.

شل كافة امكانيات مصر لمواجهة التحديات الوجودية الخطيرة التي تتهددها اليوم والتي يعتبر منشؤها ومحركها الاساسي ليس بعيداً عن القوى الدولية والصهيونية العالمية. فاين موقف مصر المطبّعة مع الكيان الصهيوني من الممر الهندي - الخليجي- الإسرائيلي - الأوروبي، والذي يجعل القسم الاكبر من تجارة جنوب شرق آسيا والخليج العربي تمر الى اوروبا عبر مرفأ حيفا الفلسطيني المحتل من “إسرائيل”، الأمر الذي يشكل التفافا على قناة السويس، ويحرم الخزينة المصرية من موردها الاول والذي يقدر باكثر من 10 مليارات دولار سنويا.

اضافة الى التهديد المستمر لمصر بتجفيف وقطع منابع نهر النيل لحرمانها من المصدر الوحيد للمياه والحياة فيها.

بروز وتفاقم مشكلة البطالة في مصر، والتي وصلت في السنوات الأخيرة الى معدلات قياسية، الامر الذي انعكس سلبا على مستويات الدخل الفردي، وازدياد عدد الجياع والأسر الفقيرة. فاين التضامن والتعاون والتكامل الاقتصادي الاقليمي الموعود بعد عقد الاتفاقية؟ في حين ان التضامن والتعاون والتكامل الاقتصادي العربي الذي كان قبل

الاتفاقية قد وفر فرصاً للكفاءات و العمال المصريين الذين استوعبهم العراق بالملايين في العهد الوطني السابق للاحتلال، لتصبح تحويلاتهم الى مصر ثالث مورد للعملة الصعبة بعد قناة السويس والاهرامات!.

واليوم تتعرض سيناء وامنها ومن خلالها كل مصر الى واحدة من اكبر المؤامرات التي تستهدف افراغ فلسطين من اهلها في غزة عبر التهجير القسري لهم الى سيناء من جهة، وسلب سيناء من مصر من جهة اخرى.

واذا اردنا الخوض في كافة جوانب الضرر الاخرى التي لحقت بمصر وشعبها الابي بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد فلن يتسع المجال للاحاطة بها كلها. والسؤال المنطقي الذي يفرض نفسه هو: اليس من المصلحة الأجدى عملياً وواقعياً والأكثر ضمانا لامن مصر واقتصادها وازدهارها ومستقبلها، ان تسعى جاهدة لتحقيق درجة يتبعها درجات من التكامل العربي؟ وبالتأكيد هو تضامن وتكامل أيضا في كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والتكنولوجية، وصولا الى الامن القومي العسكري والامني والسياسي والدبلوماسي الوطني والقومي على حد سواء.

 

ثانياً: اتفاقية ”وادي عربة ” والأردن

وعلى ذات القراءة التحليلية والعملية للواقع يمكننا ان نسأل: ماذا قدّمت اتفاقية ” وادي عربة ” للأردن مجتمعا، ودولة، وهوية، ومستقبل؟ انها لم تقدم سوى الاساءة الى هذا القطر الاصيل بعروبته، معززة بمزيد من الضعف الاقتصادي والفقر الاجتماعي وتدني مستويات الدخل الوطني. وها هو الأردن يواجه تبعات ما يجري في قطاع غزة منذ السابع من اكتوبر من حرب ابادة جماعية ومحرقة لم يشهد لها العالم مثيلا في العصر الحديث، باعتبارها حرباً ستكون نتائجها السلبية اول من تطال الاردن قبل غيره بوصفه الاقرب جوارا

الى فلسطين المحتلة من ناحية، ولكونه احد الاهداف الاساسية لها من خلال استهدافه لتهجير سكان الضفة الغربية اليه عنوة بهدف افراغ فلسطين من سكانها الاصليين تماماً.

الم يدرك الأردن مدى الفائدة التي كان يجنيها من علاقاته التكاملية مع بعض الاقطار العربية مثل النظام الوطني في العراق قبل احتلاله، من حيث امداده باحتياجاته النفطية المجانية وتقديم كافة اشكال الدعم له وجعل العراق سوقا مفتوحا للمنتجات الزراعية والصناعات الاردنية؟ فماذا قدمت له عملية التطبيع مع الكيان الغاصب لفلسطين؟

ان ما ينطبق على النتائج التي افضت اليها معاهدتا التطبيع مع كل من مصر والأردن، هي نتائج مرتقبة لكل الاقطار العربية التي استجابت للضغوط الأمريكية والغربية وراحت تبرم اتفاقات تطبيعية مع الكيان الصهيوني، فاعلنت بعضها اتفاقاتها التطبيعية مع الاحتلال الصهيوني بصورة علنية، وهناك دول اخرى منها من هو مطبع في السر والخفاء دون الجهر بذلك خوفا من ردود الفعل الشعبية الغاضبة، ومنها من يتلقى الضغوطات الخارجية الثقيلة من امريكا وحلفائها من أجل دفعها الى الوقوع في شرك التطبيع مع الكيان المغتصب لفلسطين.

يتبع لطفاً..

شبكة ذي قار

شبكة البصرة

الاربعاء 10 رمضان 1445 / 20 آذار 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط

print